کد مطلب:352957 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:243

ابوبکر یسلم الخلافة لصحابه عمر و یخالف بذلک النصوص الصریحة
یقول الإمام علی علیه السلام فی هذا الموضوع بالذات أما والله لقد تقمصها

ابن أبی قحافة، وإنه لیعلم أن محلی منها محل القطب من الرحی، ینحدر عنی السیل ولا یرقی إلی الطیر، فسدلت دونها ثوبا، وطویت عنها كشحا، وطفقت أرتئی بین أن أصول بید جذاء، أو أصبر علی طخیة عمیاء، یهرم فیها الكبیر، ویشیب فیها الصغیر، ویكدح فیها مؤمن حتی یلقی ربه، فرأیت أن الصبر علی هاتا أحجی، فصبرت وفی العین قذی، وفی الحلق شجا أری تراقی نهبا حتی مضی الأول لسبیله فأدلی بها إلی ابن الخطاب بعده (شتان ما یومی علی كورها ویوم حیان أخی جابر). فیا عجبا بینا هو یستقیلها فی حیاته إذ عقدها لآخر بعد وفاته لشد ما



[ صفحه 211]



تشطرا ضرعیها فصیرها فی حوزة خشناء یغلظ كلامها ویخشن مسها ویكثر العثار فیها، والاعتذار منها. الخطبة [1] .

یعرف كل محقق وباحث بأن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم نص بالخلافة وعین علی بن أبی طالب قبل وفاته كما یعرف ذلك أغلب الصحابة وفی مقدمتهم أبو بكر وعمر [2] ولهذا كان الإمام علی یقول: وإنه لیعلم أن محلی منها محل القطب م الرحی -

ولعل ذلك ما دعا أبو بكر وعمر أن یمنعا روایة الحدیث عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم كما قدمنا فی الفصل السابق وتمسكا بالقرآن لأن القرآن وإن كان فیه آیة الولایة غیر أن اسم علی لم یذكر صراحة كما هو الحال فی الأحادیث النبویة كقوله صلی الله علیه وآله وسلم من كنت مولاه فهذا علی مولاه وعلی منی بمنزلة هارون من موسی وعلی أخی ووصیی وخلیفتی من بعدی وعلی منی وأنا منه وهو ولی كل مؤمن بعدی [3] .

وبذلك نفهم مدی نجاح المخطط الذی رسمه أبو بكر وعمر فی منع وحرق الأحادیث النبویة وجعل كمامات علی الأفواه حتی لا یتحدث الصحابة بها كما قدمنا فی روایة قرظة بن كعب، واستمر ذلك الحصار ربع قرن وهی مدة الخلفاء الثلاثة حتی إذا جاء علی للخلافة نری أنه استشهد الصحابة یوم الرحبة علی حدیث الغدیر فشهد له ثلاثون صحابیا منهم سبعة عشر بدریا [4] .

وهذا یدل دلالة واضحة بأن هؤلاء الصحابة وعددهم ثلاثون ما كانوا لیتكلموا لولا أن طلب منهم أمیر المؤمنین ذلك فلو لم یكن علی خلیفة



[ صفحه 212]



وبیده القوة لأقعدهم الخوف عن أداء الشهادة كما وقع ذلك فعلا من بعض الصحابة الذین أقعدهم الخوف أو الحسد عن الشهادة أمثال أنس بن مالك والبراء بن عازب وزید بن أرقم وجریر بن عبد الله البجلی [5] فأصابتهم دعوة علی بن أبی طالب ولم ینعم أبو

تراب علیه السلام بالخلافة فكانت أیامه كلها محن وفتن ومؤامرات وحروب شنت علیه من كل حدب وصوب، وبرزت تلك الأحقاد والضغائن البدریة والحنینیة والخیبریة حتی سقط شهیدا ولم تجد تلك السنن النبویة أذانا صاغیة لدی الناكثین والقاسطین والمارقین والانتهازیین الذین ألفوا الفساد والرشوة وحب الدنیا أیام عثمان فلم یكن ابن أبی طالب لیصلح فساد وانحراف ربع قرن فی ثلاث أو أربع سنوات إلا بفساد نفسه وهیهات منه ذلك وهو القائل: والله إنی لأعرف ماذا یصلحكم، ولكن لا أصلحكم بفساد نفسی. ولم تطل المدة حتی اعتلی سدة الخلافة معاویة بن أبی سفیان فواصل المخطط كما قدمنا فی منع الأحادیث إلا ما كان فی زمن عمر. وذهب شوطا أبعد من ذلك فانتدب من الصحابة والتابعین زمرة لوضع الأحادیث فضاعت سنة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم فی خضم تلك الأكاذیب والأساطیر والفضائل المختلفة. واستمر المسلمون علی ذلك قرنا كاملا وأصبحت سنة معاویة هی المتبعة لدی عامة المسلمین وإذا قلنا سنة معاویة فمعناه السنة التی ارتضاها معاویة من أفعال الخلفاء الثلاثة أبی بكر وعمر وعثمان وما أضافه هو وأتباعه من وضع وتزویر ولعن وسب لعلی وأهل بیته وشیعته من الصحابة المخلصین. ولذلك أعود وأكرر بأن أبا بكر وعمر نجحا فی هذا المخطط لطمس السنن النبویة بدعوی الرجوع إلی القرآن فإنك تری الیوم وبعد مرور أربعة



[ صفحه 213]



عشر قرنا إذا ما حاججت بالنصوص النبویة المتواترة التی تثبت بأن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عین علیا خلیفة له، فسیقال لك دعنا من السنة النبویة التی أختلف فیها وحسبنا كتاب الله، وكتاب الله لم یذكر بأن علیا هو خلیفة النبی، بل قال وأمرهم شوری. وهذه هی حجتهم فما كلمت أحدا من علماء أهل السنة إلا وكانت الشوری هی شعارهم ودیدنهم. ویقطع النظر علی أن خلافة أبی بكر كانت فلتة وقی الله المسلمین شرها [6] .

فلم تكن عن مشورة كما یدعی البعض بل كانت بالغفلة وبالقوة والقهر والتهدید والضرب [7] وتخلف عنها وعارضها الكثیر من خیرة الصحابة وعلی رأسهم علی بن أبی طالب وسعد

بن عبادة وعمار وسلمان والمقداد والزبیر والعباس وغیر هؤلاء كثیرون كما یعترف بذلك جل المؤرخین لهذا الحدث، ولنغض الطرف عنها ونأتی إلی استخلاف أبی بكر لعمر بعده ونسأل أهل السنة الذین یتشدقون بمبدأ الشوری، لماذا عین أبو بكر خلیفة وفرضه علی المسلمین بدون أن یترك الأمر شوری بینهم كما تدعون؟ ولمزید من التوضیح وكالعادة لا نستدل إلا بكتب أهل السنة أقدم إلی القارئ كیفیة استخلاف أبی بكر لصاحبه. ینقل ابن قتیبة فی كتابه تاریخ الخلفاء. فی باب مرض أبی بكر واستخلافه عمر رضی الله عنهما. قال: ثم دعا عثمان بن عفان فقال: أكتب عهدی، فكتب عثمان وأملی علیه: بسم الله الرحمن الرحیم، هذا ما عهد به أبو بكر بن أبی قحافة آخر عهده فی الدنیا نازحا عنها، وأول عهده بالآخرة داخلا فیها، إنی



[ صفحه 214]



استخلفت علیكم عمر بن الخطاب، فإن تروه عدلا فیكم فذلك ظنی به ورجائی فیه، وإن بدل وغیر فالخیر أردت، ولا أعلم الغیب - وسیعلم الذین ظلموا أی منقلب ینقلبون. ثم ختم الكتاب ودفعه، فدخل علیه المهاجرون والأنصار حین بلغهم أنه استخلف عمر، فقالوا: نراك استخلفت علینا عمر، وقد عرفته، وعلمت بواثقه فینا وأنت بین أظهرنا، فكیف إذا ولیت عنا، وأنت لاق الله عز وجل فسائلك، فما أنت قائل؟ فقال أبو بكر: لئن سألنی الله لأقولن: استخلفت علیهم خیرهم فی نفسی [8] .

ویذكر بعض المؤرخین كالطبری وابن الأثیر أن أبا بكر لما استدعی عثمان لیكتب عهده أغمی علیه أثناء الإملاء فكتب عثمان اسم عمر بن الخطاب - فلما أفاق قال: اقرأ ما كتبت فقرأ وذكر اسم عمر، فقال: أنی لك هذا؟ قال: ما كنت لتعدوه، فقال أصبت. فلما فرغ من الكتاب دخل علیه قوم من الصحابة منهم طلحة، فقال له: ما أنت قائل لربك غدا وقد ولیت علینا فظا غلیظا، تفرق منه النفوس وتنفض عنه القلوب؟ فقال أبو بكر: أسندونی وكان مستلقیا. فأسندوه فقال لطلحة: أبالله تخوفنی إذا قال لی ذلك غدا قلت له: ولیت علیهم خیر أهلك [9] .

وإذا كان المؤرخون یتفقون علی استخلاف أبی بكر لعمر بدون استشارة الصحابة فلنا إن نقول بأنه استخلفه رغم أنف الصحابة وهم له كارهون وسواء أقال ابن قتیبة، دخل علیه المهاجرون والأنصار فقال: قد علمت بواثقه فینا، أو كما قال الطبری دخل علیه قوم من الصحابة منهم



[ صفحه 215]



طلحة فقال له: ما أنت قائل لربك وقد ولیت علنیا فظا غلیظا تفرق منه النفوس وتنفض عنه القلوب فالنتیجة واحدة وهی أن الصحابة لم یكن أمرهم شوری ولم یكونوا راضین عن استخلاف عمر وقد فرضه علیهم أبو بكر فرضا بدون استشارتهم والنتیجة هی التی تنبأ بها الإمام علی عندما شدد علیه عمر بن الخطاب لیبایع أبا بكر فقال له: أحلب حلبا لك شطره واشدد له الیوم أمره یردده علیك غدا. وهذا بالضبط ما قاله أحد الصحابة لعمر بن الخطاب عندما خرج بالكتاب الذی فیه عهد الخلافة: فقال له ما فی الكتاب یا أبا حفص؟ قال: لا أدری، ولكنی أول من سمع وأطاع. فقال الرجل: لكنی والله أدری ما فیه، أمرته عام أول، وأمرك العام [10] .

وبهذا یتبین لنا بوضوح لا شك فیه بأن مبدأ الشوری الذی یطبل له أهل السنة لا أساس له عند أبی بكر وعمر أو بتعبیر آخر أن أبا بكر هو أول من هدم هذا المبدأ وألغاه وفتح الباب أمام الحكام من بنی أمیة أن یعیدوها ملكیة قیصریة یتوارثها الأبناء عن الآباء، وكذلك فعل بنو العباس من بعدهم وبقیت نظریة الشوری حلما یراود أهل السنة والجماعة لم ولن یتحقق. وهذا یذكرنی بمحاورة دارت بینی وبین عالم من علماء الوهابیة السعودیین فی مسجد نیروبی بكینیا، علی مشكلة الخلافة وكنت من أنصار النص علی الخلیفة وأن الأمر كله لله یجعله حیث یشاء ولا دخل لاختیار الناس فی ذلك. وكان هو من أنصار الشوری ویدافع عنها دفاعا مستمیتا وكان حوله مجموعة من الطلبة الذین یأخذون العلم عنه وهم یؤیدونه فی كل ما یقول بدعوی أن حجته من القرآن الكریم إذ یقول تعالی لرسوله صلی الله علیه وآله وسلم: وشاورهم فی الأمر ویقول: وأمرهم شوری بینهم.



[ صفحه 216]



ولما عرفت أننی مقهور مع هؤلاء لأنهم تعلموا من أستاذهم كل الأفكار الوهابیة، كما عرفت أنهم غیر قابلین للاستماع إلی الأحادیث الصحیحة وهم یتشبثون ببعض الأحادیث التی یحفظونها وأغلبها من الموضوعات، عند ذلك استسلمت لمبدأ الشوری وقلت لهم ولأستاذهم. هل لكم أن تقنعوا حكومة جلالة الملك عندكم بمبدأ الشوری حتی یتنازل عن عرشه ویقتدی بسلفكم الصالح ویترك للمسلمین فی الجزیرة العربیة حریة اختیار رئیسا لهم وما أظنه یفعل ذلك فآباؤه وأجداده لم یملكوا الخلافة فحسب بل والجزیرة العربیة أیضا أصبحت من ممتلكاتهم حتی أطلقوا علی أرض الحجاز كلها أسم المملكة السعودیة. وعندئذ تكلم سیدهم العالم لیقول: نحن لا شغل لنا فی السیاسة، ونحن فی بیت الله الذی أمر أن یذكر فیه أسمه وأن تقام فیه الصلوات. قلت: وكذلك لطلب العلم، قال: نعم وهو كذلك نحن نعلم الشباب هنا - قلت: كنا فی بحث علمی! قال: لقد أفسدته بالسیاسة. خرجت مع مرافقی وأنا أتحسر علی شباب المسلمین الذین استولت الوهابیة علی أفكارهم بكل الطرق فأصبحوا حربا علی آبائهم، وكلهم من معتنقی المذهب الشافعی وهو أقرب المذاهب إلی أهل البیت علی ما أعتقد. وكان للشیوخ احترام ووقار لدی المثقفین وغیر المثقفین باعتبار أن أغلبهم من السادة المنحدرین من السلالة الطاهرة، فجاء الوهابیون للشباب واستغلوا فقرهم فأغروهم بالأموال والإمكانیات المادیة، وقلبوا نظرتهم بأن ما یفعلونه من احترام للسادة هو شرك بالله لأنه تقدیس للبشر، فأصبح الأبناء نقمة علی الآباء. وهذا ما یحدث فی كثیر من البلدان الإسلامیة فی أفریقیا. للأسف. ونعود لوفاء أبی بكر لنجد أنه وقبل موته ندم علی ما اقترفت یداه، فقد نقل ابن قتیبة فی تاریخ الخلفاء قوله: أجل والله ما آسی إلا علی ثلاث



[ صفحه 217]



فعلتهن لیتنی كنت تركتهن - فلیتنی تركت بیت علی وفی روایة لم أكشف بیت فاطمة عن شئ وإن كانوا قد أعلنوا علی الحرب، ولیتنی یوم سقیفة بنی ساعدة كنت ضربت علی ید أحد الرجلین أبی عبیدة أو عمر فكان هو الأمیر وكنت أنا الوزیر، ولیتنی حین أتیت ذی الفجاءة والسلمی أسیرا أنی قتلته ذبیحا أو أطلقته نجیحا ولم أكن أحرقته بالنار [11] .

ونحن نضیف، لیتك یا أبا بكر لم تظلم الزهراء ولم تؤذها ولم تغضبها ولیتك ندمت قبل موتها وأرضیتها، هذا بخصوص بیت علی الذی كشفته وأبحت حرقه. أما بخصوص الخلافة فلیتك تركت صاحبیك وعضدیك أبا عبیدة وعمر وضربت علی ید صاحبها الشرعی الذی استخلفه صاحب الرسالة فكان هو الأمیر. إذا لكان العالم الیوم غیر ما نشاهده ولكان دین الله هو الذی یسود الكرة الأرضیة، كما وعد الله ووعده حق. وأما بخصوص الفجاءة السلمی الذی أحرقته بالنار، فیا لیتك لم تحرق السنن النبویة التی جمعتها ولكنت تعلمت منها الأحكام التشریعیة الصحیحة وما التجأت إلی الاجتهاد بالرأی. وخیرا وأنت علی فراش الموت لیتك إذا فكرت فی الاستخلاف أرجعت الحق إلی نصابه إلی من كان محله منها محل القطب من الرحی فأنت أعلم الناس بفضله وفضائله وزهده وعلمه وتقواه وأنه كان كنفس النبی صلی الله علیه وآله وسلم، وخصوصا أنه سلم لك الأمر ولم یناجزك حفاظا علی الإسلام، فكان حریا بك أن تنصح لأمة محمد صلی الله علیه وآله وسلم وتختار لها من یصلح شأنها ویلم شعثها ویوصلها إلی ذروة المجد.



[ صفحه 218]



وندعو الله سبحانه وتعالی أن یغفر لك ذنوبك ویرضی عنك فاطمة وأباها وزوجها وبنیها فقد أغضبت بضعة المصطفی والله یغضب لغضبها ویرضی لرضاها. كما وأن من من آذی فاطمة فقد آذی أباها بنص حدیثه صلی الله علیه وآله وسلم والله تعالی یقول والذین یؤذون رسول الله لهم لهم عذاب ألیم. ونعوذ بالله من غضب الله ونسأله أن یرضی عنا وعن جمیع المسلمین والمسلمات والمؤمنین والمؤمنات.


[1] نهج البلاغة شرح محمد عبدة: 1 / 84 - 87.

[2] الإمام الغزالي في كتابه سر العالمين.

[3] كل هذه الأحاديث أخرجها الطبري في الرياض النضرة والسنائي في الخصائص، وأحمد بن حنبل.

[4] أحمد بن حنبل: 1 / 119. وتاريخ دمشق لابن عساكر: 2 / 7.

[5] أنساب الأشراف: 1 / 156. السيرة الحلبية: 3 / 337. المعارف لابن قتيبة: 194.

[6] البخاري: 8 / 26 كتاب المحاربين من أهل للكفر والردة باب رجم الحبلي من الزنا.

[7] الإمامة والسياسة لابن قتيبة استخلاف أبي بكر.

[8] تاريخ الخلفاء لابن قتيبة المعروف بالإمامة والسياسة: 1 / 24.

[9] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد الخطبة الشقشقية.

[10] الإمام والسياسة لابن قتيبة: ج 1 باب استخلاف أبي بكر لعمر.

[11] تاريخ الطبري: 4 / 52. ابن عبد ربه في العقد الفريد: 2 / 254. المسعودي مروج الذهب: 1 / 414.